تمهيد
" ولكن أنتم أيها المقارنون، ماذا تقارنون؟ " على هذا السؤال الساذج ظاهرياً والخبيث حقيقة، يجب على المقارن أن يجيب : لا شيء. إن الأدب العام والمقارن لايقارن النصوص، يعود المصطلح إلى 1973) أو بالأحرى، ليست هذ المواجهة إلا استعداداً لتساؤلات وبحوث أخرى تهدف إلى الربط بين نصوص، ومجموعات من النصوص، وآداب وثقافات، وتتبع الحوارات فيما بينها.
موضوع الدراسة هذا، الواضح، والمعقد، والمتباعد، هو الذي يفسر جزئياً ضرورة تعريف طبيعة حقل معرفي في تطور دائم منذ أكثر من قرن وتعيين حدوده، بصورة منتظمة. من الصعب وضع كتاب عن مادة تتغير باستمرار. كما قال فوفنارغ : " إن قول أشياء جديدة أسهل من التوفيق بين أشياء قيلت سابقاً " لقد جعل المقارن من " العموميات " اختصاصه. مع ذلك، لايمتلك معارف غير محدودة. إنه يتقن لغات عديدة حيّة وميتة)، وتأمّل في التاريخ الثقافي لقارته أوربا)، ولكنه أنفتح أيضاً على قارات أخرى، ويهتم بصورة خاصة بعصر وقرن معينين، وببعض المجالات التي تشكل أرضية المقارنية. ولهذا السبب، فإنني، قدر المستطاع، سأسلك طريق الذين سبقوني لكي أدخل مجالات من البحث، وفضاءات لغوية غير مالوفة لي. مع ذلك، أرى أنه من المفيد الاستفادة قليلاً من مادة الدروس والمحاضرات التي كلفتُ بها، لوضع مقدمة لحقل معرفي متعدد الأشكال واللغات، ولا أرى في ذلك خروجاً عن الموضوع.
يأتي هذا الكتاب بعد كتب أخرى مثل كتاب بول فان تييغم(1) ، وكتاب ماريو فرانسوا غويار (2) سلسلة كوسيج؟ ماذا أعرف ؟)، وكتاب كلودبيشوا، وأندريه ميشيل روسو الأدب المقارن، كولان، 1967) الذي أعيدت طباعته عام 1983، بعنوان : ما الأدب المقارن ؟،
بعد أن اشترك بيير برونيل مع المؤلفين المذكورين سابقاً . سنعطي لأنفسنا الحرية بتسميتهم بيشوا - روسو، وبرونيل - بيشوا - روسو، وذلك لسهولة الاستخدام، واحتراماً لمكانتهم) بعد ذلك يأتي كتاب سيمون جون الصغير الأدب العام والأدب المقارن) (3) ، و كوسيج؟ ماذا أعرف؟ )(4) لإيف شيفريل، الذي أخذ مكان كتاب ماريو فرانسواغويار. يعد كتاب الوجيز في الأدب المقارن) (5) ، الذي يسمى الوجيز عملاً كبيراً أنجز بإشراف بيير برونيل، وإيف شيفريل، وأتى بعد كتاب صغير يحمل العنوان نفسه يعود إلى فرانسيس كلودون وكارين حداد وتلينغ (6) ، هذا إذا لم نرد الحديث إلا عن السياق الفرنسي.
يجب أن نحدد، في هذا المجال، أن هذه المقدمة تتوجه إلى جمهور الطلاب في فرنسا، ولايمكنها الادعاء، عبر أبعادها وروحها، بأنها تمثل بانوراما عالميه. من وجهة نظري، ليس هذا الهدف مستحيلاً فقط ولكنه أيضاً عديم الفائدة. وبسبب تفكيري في هذا الجمهور نفسه، اخترت أمثلتي، متجنباً الإكثار والتعمق عديم الفائدة، والبيبلوغرافيا الأكثر انتقائية ممكنة وهذا مناقض لممارسات المقارنين وأذواقهم)، كما اخترت طريقة تقديم بعض البحوث أو طرح بعض الأسئلة.
في مواجهة المسائل التي يحب الأدب العام والمقارن أن يطورها عبر تجاوز القرون، وتوجيه الثقافات، والفصل بين الآداب، يبقى بعضهم جاحداً وحذراً. يشبه حذر هؤلاء حذر مدام دو ديفاند من الأشباح. سُئِلتْ : " هل تعتقدين فيها؟ "، فأجابت : " لا ولكنني أخاف منها ". يستطيع الأدب العام والمقارن أن يرعب، ويحيرّ، ويزّعج، لأنه يعارض العزلة، والأنانية، والروح الاختصاصية التي نجد صداها مسبقاً في الأخوة كرامازوف حيث يوجد طبيب فييني مختص بفتحة الأنف اليسارية. الأدب العام والمقارن هو حالة روحية، وولع بالانفتاح، ونزوع إلى التركيب، ومعرض للتأنيب والسخرية. إنه، اليوم أيضاً كالبارحة، تدريب أصيل على الآداب الحديثة، والثقافات الماضية والحاضرة.
(1) الأدب المقارن، أ. كولان، 1931، أعيدت طباعته عام 1951
(2) الأدب المقارن، p.u.f ، 1951، الطبعة السادسة عام 1978
(3) مينار، آداب حديثة، 1968
(4) الأدب المقارن، 1989
(5) p.u.f ، 1989
(6) ناثان، 1992
تحيات
مستجل